ثمن الوعود المخفية
في إحدى القرى النائية، المحاطة بالجبال الشامخة، توفي والد وترك لأبنائه الأربعة ميراثًا كبيرًا. بعد أيام من الحزن ومرور وقت ليس بالقليل، اجتمع الإخوة في منزلهم القديم. وهناك، بدأ الحديث الجدي حول ما سيفعلونه بأموال والدهم.
اختلاف الرؤى
“ما هي خطتكم لهذا المال؟” سأل الأخ الأكبر، وهو ينظر بتمعن إلى إخوته الثلاثة الذين كان الطمع يلمع في أعينهم.
“سنرحل إلى المدينة!” صرخ أحدهم بلهفة واضحة. “سنشتري منازل فاخرة، ونبدأ تجارة جديدة، ونعيش حياتنا بكل رفاهية وراحة.”
عندها، ابتسم الأخ الأكبر بشيء من السخرية، ثم قال: “ألا تفكرون في شيء أكثر فائدة؟ ما رأيكم أن نجمع نصف المال لبناء مسجد جديد في قريتنا؟ أهل القرية بحاجة ماسة إليه، وستكون لنا صدقة جارية وذكرى طيبة.”
ضحك الإخوة بسخرية وقالوا: “ولماذا نهدر أموالنا على الفقراء؟ فنحن، لن نبقى هنا، فليصلوا في منازلهم إن لم يستطيعوا بناء مسجد.”
الطريقان المختلفان
ورغم محاولات الأخ الأكبر لإقناعهم بالحكمة، قرر الإخوة الرحيل إلى المدينة، حيث اشترى كل واحد منهم منزلاً فاخراً وبدأوا في تجارة مشتركة. في الوقت نفسه، بقي الأخ الأكبر في القرية، واستخدم كل ماله في بناء مسجد كبير. وعندما سألته زوجته عن الميراث، أجابها بابتسامة غامضة: “لقد استثمرت في خمس شركات كبيرة، وستعلمين قريباً ماذا أعني.”
ثمار الجهد والتضحيات
مرت السنوات، وكبر أبناء الأخ الأكبر الخمسة. وخلال تلك الفترة، كان الأب يعمل بجد ليلاً ونهاراً في قطع الحطب، رافضاً بإصرار أن يشرك أبناءه في هذا العمل الشاق. كان يشجعهم دائماً على التعليم، مؤمناً بأن العلم هو السبيل لحياة أفضل. كل ليلة، كان يسجد ويدعو الله أن يوفق أبناءه ويجعلهم من الصالحين.
ومع مرور الوقت، كبر الأولاد، وبدأوا يحصدون ثمار جهدهم. تفوقوا في دراستهم، ولم يكن للأب إلا أن يطلب منهم إكمال تعليمهم الجامعي. لكن للأسف، كانت الرسوم الجامعية باهظة، والمال كان قليلاً.
العمل المشترك والتحدي
في هذا الوقت، طلب الأب من أبنائه أن يساعدوه في جمع الحطب خلال الإجازة الصيفية. كان العمل شاقاً، ولكن بالرغم من ذلك، تمكنوا من جمع كمية كبيرة من الحطب وبيعها. وفي أحد الأيام، عادوا إلى منزلهم ليجدوا ثلاث سيارات فاخرة تقف أمام المنزل. دخلوا المنزل ليجدوا أعمامهم الثلاثة ينتظرونهم.
وبعد محادثة قصيرة، تحدث الأعمام بسخرية عن المال والميراث الذي ضاع، وسألوا الأخ الأكبر عن استثماره الغامض. أجابهم ببرود: “لقد اشتريت خمس شركات، وسيفتحها أبنائي عندما يحين الوقت.”
عندها، سخر الإخوة من كلامه، معتبرين كلماته مجرد خيال. تركوا المنزل، لكن الأبناء الخمسة كانوا مصممين على إثبات أن والدهم لم يكن مجنوناً. اجتهدوا في دراستهم، وبفضل دعم والدهم وتضحياته الكبيرة، تمكنوا من التخرج بتخصصات مرموقة. وفي النهاية، أصبح الأول طبيب عظام، والثاني جراح قلب، والثالث متخصصاً في المخ والأعصاب، والرابع أستاذاً في علم التخدير، والخامس محامياً بارعاً.
العدالة الإلهية وعودة الحق
بعد سنوات من النجاح، قرر الأبناء العودة إلى قريتهم. وعند عودتهم، حدثت مفاجأة: أبناء عمهم تعرضوا لحادث مروع. ولحسن الحظ، كان الأطباء الذين أنقذوهم هم أبناء الأخ الأكبر.
وفي تلك اللحظة، عندما أدرك الإخوة الثلاثة الحقيقة، بدأوا بالبكاء واحتضنوا أبناء أخيهم، قائلين: “الآن فهمنا. كانت الشركات التي اشتريتها هي أبناؤك، وكانت مغلقة بانتظار اللحظة المناسبة لتفتح وتزدهر.”
النهاية السعيدة والعبرة
عاد الأبناء الخمسة إلى والدهم ليعيشوا معه في منزل كبير اشتروه في المدينة. وأخيرًا، أصبح الأب يعيش حياة مرفهة، محاطاً بأبنائه الذين حققوا له حلمه الأكبر. وفي هذه اللحظة، علم الإخوة الثلاثة درساً قاسياً: المال وحده لا يصنع السعادة، ولكن الاستثمار في الناس والقلوب هو الثروة الحقيقية.